- مدخل:
الشعب الفلسطيني واحد من شعوب الأمة العربية، التي يجمع بينها على مستوى العادات الشعبية قدر كبير مشترك، وتتمايز فيما بينها وما ينفرد به كل منها، وهي خصوصية ناجمة عن الظروف الموضوعية الفاعلة في حياة الشعب، عبر الزمان، وخلال تفاعله مع بيئتيه الطبيعية والاجتماعية. والشعب الفلسطيني في واقعه الراهن، شعب محافظ يتكون من أكثرية من المسلمين وأقلية من المسيحيين، وهو موزع ديمغرافيا في مناطق جغرافية عديدة؛ فهنالك حوالي مليون نسمة منه في إسرائيل، وحوالي مليون آخر في قطاع غزة، وحوالي مليونيين في الضفة الغربية بما في ذلك القدس العربية، ومثل هذه الملايين أو ما يزيد عنها في بلدان الوطن العربي وبقية بلدان العالم. في الوقت ذاته، يتألف الشعب الفلسطيني من شرائح اجتماعية ثلاث هي:شريحة أهالي الريف، وأهالي البادية، وأهالي المدن. وعناصر هذا الموقع، وما يتصل بها من عناصر أخرى ذات علاقة هي التي تصنع الخصوصية الشعبية المشار إليها.
وهذه الوضعية تتطلب تحديدا للمنهج المناسب المعالجة لموضوع هذه الورقة وهو"عادات الزواج في الريف الفلسطيني". ولهذا السبب سأحاول إتباع منهج وصفي، تتصل به لمحات تحليلية، ويقوم على المرتكزات التالية:
1- حصر الموضوع في مسلمي الريف الفلسطيني في الضفة الغربية، أي في عادات الزواج كما تجري ممارستها في قرى الضفة الغربية، مع الإسراع إلى التأكيد بأن ثمة تشابها على درجة عالية، بين هذه العادات في قرى الضفة، وقرى القطاع، وقرى الجليل. ومن الواضح أن حصر الموضوع على النحو يستثني عادات الزواج في البادية والمدينة، وفي التجمعات الفلسطينية الأخرى القائمة خارج الضفة الغربية.
2- تقديم نظري موجز بتعريف العادة وأهم سماتها.
3- وصف تفصيلي لعادات الزواج بمراحله المختلفة، وما يجري في كل مرحلة من إجراءات وأنشطة فنية.
4- ملاحظة ما طرأ على هذه العادات من تغيرات خلال النصف الثاني من هذا القرن.
5- الاستشهاد خلال العرض بأمثلة من المأثورات القولية ذات العلاقة.
6- نظرة مستقبلية.
2-تعريف بالعادة وأهم سماتها:
على الرغم من أهمية التعريفات، فإنها تصعب الأمور بدلاً من أن تسهلها؛ بسب ما تنطوي عليه من تعدد ناجم عن اختلاف في وجهات نظر القائلين بها. ولما كان هذا البحث مكرساً للنظر في العادات الشعبية، الخاصة بالزواج في الريف الفلسطيني في الضفة الغربية، فإنه لن يخوض في التعريفات المختلفة للعادات بعامة، بل سيكتفي بتقديم تلخيص موجز لما أورده الدكتور محمد الجوهري بهذا الخصوص في كتابه "علم الفولكلور، ج1، ط4، ص106-111". أنه يرى بحق أن العادات الشعبية ظاهرة أساسية من ظواهر الحياة الاجتماعية. وأنها حقيقة أصيلة من حقائق الوجود الاجتماعي في الماضي والحاضر، وفي كل المجتمعات بغض النظر عن مستواها الحضاري، وأنها ظاهرة تاريخية ومعاصرة في الوقت نفسه، وذات صلة مباشرة بواقعنا، وهي بذلك قطعة من ذاتنا ومن واقع حياتنا الاجتماعية. ولما كانت حياتنا الاجتماعية متجددة باستمرار، فإن العادة لا بد أن تتجدد كذلك بما يجعلها مواكبة لعصر مجتمعها، كما أنها دائما بنت شعب معين، ومنطقة معينة، وتراث وتاريخ معين، مرتبط بزمان ومكان معينين. ومن ابرز سماتها: أنها فعل اجتماعي، وأنها متوارثة كاملاً بظروف مجتمعها.
ولا حاجة هنا للقول، أن هذه المواصفات تنطبق على عادات الزواج في الريف الفلسطيني؛ فمجتمعنا الريفي له عاداته في الزواج، وهي عادات أصيلة ملزمة، لا يستطيع أحد أن يتخطاها إذا ما أراد أن يبقى على انسجام مع هذا المجتمع، وهي تاريخية بمعنى أن أجيل شعبنا توارثتها عبر عصور التاريخ، ومارسها بما يلائم روح كل عصر، فعلى سبيل المثال حرمَت المرأةَ من التعليم وألزمتها الحجاب عندما تطلب العصر ذلك في ظل الحكم التركي، وهي معاصرة بمعنى أنها تطورت بتطور الحياة فصارت تتيح للمرأة فرصة التعليم، والتحرر، وإشغال الوظائف العامة إلى جانب الرجل، كما عليه الحال الآن، وهي معيارية بمعنى أنها تحكم التعامل بين الناس من خلال التزامهم بقواعدها غير المكتوبة، التي منها مثلاً طالب الزواج لا يجوز أن يتقدم بنفسه لطلب يد الفتاة، وإذا فعل ذلك فإنه لن يبوء بالفشل فقط،وإنما سيجعل نفسه موضعاً للسخرية والتندر، وهي مرتبطة بالكامل بظروف المجتمع الفلسطيني؛ فعندما كثر تساقط الشهداء من الجنسين في ظل الانتفاضة التي تفجرت يوم 9/12/1987م توقفت المظاهر الاحتفالية لعادات الزواج، واكتفي منها بما هو ضروري كالطلبة المبدئية ثم الطلبة الرسمية وقراءة الفاتحة لكن بحضور عدد قليل من الأسرتين وأصدقائهما المقربين، وبعد ذلك بفترة قصيرة كتب الكتاب أي عقد الزواج، وانتقال العروس إلى بيت الزوجية بمرافقة عدد من أفراد الأسرتين، ودون أية احتفالات. وعندما توقفت الانتفاضة بعيد قيام السلطة الفلسطينية في أيلول – سبتمبر، عام 1993 ،بدأت عادات الزواج تعود إلى مثل ما كانت علية قبل الانتفاضة، كما سنبينه في الفقرات التالية.
3- العادات المتبعة في الزواج لدى مسلمي الريف الفلسطيني في الضفة الغربية:
تتطلب عادات الزواج الشعبية السائدة في مجتمع الريف الفلسطيني في الضفة الغربية، الالتزام بمراعاة الخطوات التالية: ابتداءً بالخطبة وانتهاءً بالدخلة. وسيقتصر الحديث عن القرويين المسلمين لأنهم الأكثرية، ولأن القرى المسيحية قليلة ومختلطة في معظم الحالات، وبالتالي فعاداتها شبيهة للغاية بعادات القرى المسلمة:
أ- الطلب التمهيدي.
ب- الطلب العائلي، ويقتصر على الأسرتين المعنيتين.
ج- الطلب الرسمي، وتقوم به الجاهة من أسرة العريس وحمولته.
د- كتب الكتاب أي توقيع عقد الزواج.
ه- الكسوة والحناء.
و- الزفاف.
ز- الدخلة ومتمماتها.
أولاً:الخطبة:
قديما أي حتى منتصف القرن الحالي:
خلال العهد العثماني، وامتداد له خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1918-1948م) كان القرار في اختيار زوجة الابن بيد الأب، يناظر ذلك قرار والد العروس بالموافقة على تزويجها من فلان الذي لا تعرفه، ودون اخذ رأيها فيه، أي أن قضية الزواج كانت شأنا أبويا، ليس للعريس ولا العروس أية صلاحية تذكر في اتخاذ القرارات المتعلقة به. ولما كان المجتمع الريفي الفلسطيني مجتمعا عشائريا يرتكز أساسه على العائلة فالحمولة، فقد كان أمرا طبيعيا أن يفضل والد العريس تزويج ابنه من إحدى بنات أعمامه؛ من اجل الحفاظ على وحدة العائلة والحمولة، وتعزيز قوتها. وقد عبروا عن هذا المبدأ في أقوالهم وأمثالهم، فقد قالوا في ابن العم وابنة العم:
" أبن العَمّ بِطَيِّحْ عَنْ ظَهْر الفَرَسْ "
" أوصيْك بِنْت العَمّ خُذْها وَلَو إنها عُوْرَة "
" إبن الخال مخَلِّى وإبن العَمّ موَلَّى "
*****
مكتوب على ورق التين والزيتون اللي يفوت بنت عمه أيروح محزون
عــــليك بالطـــريق ولـــــو دارت وأبنت الـــعم ولــــــــــو بــــــــارت
بــنت العــــــم تصــــبر عالجفـــا أمــــا الغـريبــــــة بـــــدها تــــــدليل
يـــــا ابـــن العـــم لا توخذ غريبة ردايدنــــا ولا قمــــــح الصــــــليبي
مـرق حذا دارنا وفيده قدح رايب ما بوخذ إلا ابن عمي وروح يا خايب
(مجلة التراث والمجتمع، العدد 7، ص83) و (ودراسة في المجتمع والتراث الشعبي الفلسطيني ص21).
وبالمثل فإن كون الزراعة عماد الحياة الريفية، كان لا بد للأب - صاحب القرار في اختيار زوجة ابنه- أن يراعي فيها القدرة على القيام بالأعمال الزراعية.
وقد عبروا عن هذا الاعتبار في أغانيهم فقالوا:
لا يعجبك زينها وبياض خرقتها بكرة بتيجي الحصيدة وبتشوف فعلتها
وقالوا:
والله لاكتب جريدة ع إبريق الزيت يا شاطرة في الخلا يا معدلة في البيت
(دراسة في المجتمع والتراث الشعبي الفلسطيني، ص21).
هذه الصورة كانت تنطبق على أكثرية أبناء الريف، لكن كان هنالك بعض العائلات الأرستقراطية التي تحظر زواج بناتها من غير أبنائها، وفي الوقت ذاته كانت تفرض الحجاب على نسائها، وتقصر أعمالهن على داخل بيوتهن، لأنهن في نظر العائلة مخدّرات "مخدّرات = حرائر ربات خدور، أسمى من أن يقمن بأعمال الفلاحة"
1- حديثا أي خلال النصف الثاني من القرن الحالي:
تحت تأثير اتساع الحركة التعليمية، وارتفاع نسبة الإناث اللواتي يتلقين تعليما مدرسيا وجامعيا، تغيرت العادات التي بينتها الفقرة السابقة بشكل أو آخر، فصار للابن الأثر الأكبر في اختيار شريكة حياته، لكن بالتشاور مع أبيه وأمه، وصار للبنت حظ أكبر في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، وصارت الأوضاع الاجتماعية تسمح بالتعارف بين الجنسين. وثمة أمر آخر غاية في الأهمية، هو أن أكثر الآباء والأمهات، نالوا قسطا من التعليم، فصاروا أكر ادراكا لمسؤوليات الزواج وحقوق الأبناء والبنات، معنى أنهم ما عادوا ينفردون باتخاذ القرار نيابة عن الابن أو البنت، بل صاروا بمثابة مستشارين لهم، وإن كان دور البنت في اتخاذ القرار لا يزال أقل استقلالية من دور الابن. لكن إجراءات الخطبة ظلت – على أية حال- تتخذ المسارات التي سنعرضها في الفقرات التالية:
أ.الطلب التمهيدي:
مازال الدور الأول بالنسبة لهذه الخطوة منوطاً بالمرأة، إذ تكلف أم الشاب الناوي على الزواج، أو إحدى قريباته، وبقدر من السرية بزيارة أسرة الفتاة المرشحة للخطبة، لاستكشاف الموقف، من أجل التعرف على أحوال الفتاة وأهلها: هل هي مناسبة، هل هنالك استعداد للزواج، أم هنالك معوقات، أو خطط أخرى كمتابعة التحصيل العلمي مثلا، وهل هنالك إمكانية لقبول فلان خطيبا للبنت أم لا، وهكذا، وتستمر هذه العملية أسبوعاً أو نحوه لإتاحة الفرصة للبنت ولأسرتها للتشاور فيما بينهم، ثم يبلغون الوسيطة بردهم. فإذا كان الرد سلبيا طويت المسألة وكأنها لم تكن، وذلك صونا لسمعة العائلتين، أما إذا كان الرد إيجابيا، فإن والد الشاب وأحد وجهاء حمولته، يقومان، وبقدر من السرية أيضا بزيارة مسائية لوالد الفتاة، ويفاتحانه في خطبة ابنته فلانة لابنه فلان. وجرت العادة أن والد الفتاة، لا يعطي ردا نهائيا في هذه المناسبة، وإنما يكون مجاملا: "إلنا الشرف في نسبكم، لكن علينا مشورة، إن شاء الله بنرد الخبر بعد يومين أو ثلاث، وقلة الجواب جواب".بعد ذلك يستشير والد الفتاة إخوته وأقاربه ليستطلع رأيهم حول ما إذا كان أحد أبناءهم ينوي التقدم لخطبة ابنته، وحول ما إذا كان لهم أي اعتراض على النسب المحتمل. فإذا لم يكن هنالك أي عائق، يعود الأب إلى أسرته ويطلب من زوجته أن تستطلع رأي البنت، ثم يتحدث هو مع ابنته بمشاركة أعضاء الأسرة. وإذا كانت النتيجة إيجابية، يبعث الأب من يخبر أهل العريس المرشح بأنهم موضع ترحيب، ذلك إشارة لهم ليتقدموا بالطلب على مستوى الأسرتين، وهو ما أسميناه "الطلب العائلي" الذي سنعرضه في الفقرة التالية.
ب. الطلب العائلي:
عند وصول الخبر الإيجابي لوالد الشاب، يخبر أسرته ويطلب من زوجته أن تتفق مع عدد محدود من نساء الحمولة، ويتفق هو مع عدد محدود من وجهاء حمولته، ويحضرون علب المشروبات الخفيفة، ومقدارا من البقلاوة، ثم يبعث إلى والد الفتاة يخبره بأنه هو وجماعته سيتشرفون بزيارته في الليلة الفلانية. وبناء على ذلك يطلب والد الفتاة من زوجته أن تدعوا بعض قريباتها، ويدعو هو بعض أقاربه، وبخاصة أعمام الفتاة وأخوالها، ليكون الجميع في استقبال جماعة الشاب. ويتم اللقاء على هذا المستوى في المساء المعين، فتلتقي الجماعتان: الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، ويتبادل الجميع المجاملات المعهودة، ثم يقول والد الشاب، أو من اتفق معه من جماعته على القيام بالطلب: "سمعونا الصلاة على النبي يا جماعة" فيرد الحاضرين قائلين: "أللهم صلي على سيدنا محمد"، ويصغون إلى المتكلم الذي يقول في العادة: "الله يمسيكم بالخير يا جماعتنا، إحنا يا بو فلان -والد الفتاة- طالبين القرب منك وبشرفنا نسبكم، ونطلب ايد كريمتكم فلانة لأبنا فلان"، فيرد عليه والد الفتاة قائلا:"أهلا وسهلا بكم، البيت بيتكم وابنكم ابنا وبنتنا بنتكم، والطلب مقبول، والنسب إن شاء الله قرابة على طول". وعند هذا الحد يقرأ الجميع الفاتحة، وتزغرد النساء، ويتبادل الجميع التبريكات، وتوزع الحلوى والمشروبات، وتستمر السهرة في جو من الفرح، ويتداول الطرفان حول المهر، ويتفقان على المهر المعجل والمؤجل، والمصاغ، وموعد التلبيسة، وموعد الخطبة الرسمية.
(المرجع السابق، ص26 – 27)
النص الكامل
http://www.najah.edu/index.php?news_id=5484&page=3171&l=ar
الشعب الفلسطيني واحد من شعوب الأمة العربية، التي يجمع بينها على مستوى العادات الشعبية قدر كبير مشترك، وتتمايز فيما بينها وما ينفرد به كل منها، وهي خصوصية ناجمة عن الظروف الموضوعية الفاعلة في حياة الشعب، عبر الزمان، وخلال تفاعله مع بيئتيه الطبيعية والاجتماعية. والشعب الفلسطيني في واقعه الراهن، شعب محافظ يتكون من أكثرية من المسلمين وأقلية من المسيحيين، وهو موزع ديمغرافيا في مناطق جغرافية عديدة؛ فهنالك حوالي مليون نسمة منه في إسرائيل، وحوالي مليون آخر في قطاع غزة، وحوالي مليونيين في الضفة الغربية بما في ذلك القدس العربية، ومثل هذه الملايين أو ما يزيد عنها في بلدان الوطن العربي وبقية بلدان العالم. في الوقت ذاته، يتألف الشعب الفلسطيني من شرائح اجتماعية ثلاث هي:شريحة أهالي الريف، وأهالي البادية، وأهالي المدن. وعناصر هذا الموقع، وما يتصل بها من عناصر أخرى ذات علاقة هي التي تصنع الخصوصية الشعبية المشار إليها.
وهذه الوضعية تتطلب تحديدا للمنهج المناسب المعالجة لموضوع هذه الورقة وهو"عادات الزواج في الريف الفلسطيني". ولهذا السبب سأحاول إتباع منهج وصفي، تتصل به لمحات تحليلية، ويقوم على المرتكزات التالية:
1- حصر الموضوع في مسلمي الريف الفلسطيني في الضفة الغربية، أي في عادات الزواج كما تجري ممارستها في قرى الضفة الغربية، مع الإسراع إلى التأكيد بأن ثمة تشابها على درجة عالية، بين هذه العادات في قرى الضفة، وقرى القطاع، وقرى الجليل. ومن الواضح أن حصر الموضوع على النحو يستثني عادات الزواج في البادية والمدينة، وفي التجمعات الفلسطينية الأخرى القائمة خارج الضفة الغربية.
2- تقديم نظري موجز بتعريف العادة وأهم سماتها.
3- وصف تفصيلي لعادات الزواج بمراحله المختلفة، وما يجري في كل مرحلة من إجراءات وأنشطة فنية.
4- ملاحظة ما طرأ على هذه العادات من تغيرات خلال النصف الثاني من هذا القرن.
5- الاستشهاد خلال العرض بأمثلة من المأثورات القولية ذات العلاقة.
6- نظرة مستقبلية.
2-تعريف بالعادة وأهم سماتها:
على الرغم من أهمية التعريفات، فإنها تصعب الأمور بدلاً من أن تسهلها؛ بسب ما تنطوي عليه من تعدد ناجم عن اختلاف في وجهات نظر القائلين بها. ولما كان هذا البحث مكرساً للنظر في العادات الشعبية، الخاصة بالزواج في الريف الفلسطيني في الضفة الغربية، فإنه لن يخوض في التعريفات المختلفة للعادات بعامة، بل سيكتفي بتقديم تلخيص موجز لما أورده الدكتور محمد الجوهري بهذا الخصوص في كتابه "علم الفولكلور، ج1، ط4، ص106-111". أنه يرى بحق أن العادات الشعبية ظاهرة أساسية من ظواهر الحياة الاجتماعية. وأنها حقيقة أصيلة من حقائق الوجود الاجتماعي في الماضي والحاضر، وفي كل المجتمعات بغض النظر عن مستواها الحضاري، وأنها ظاهرة تاريخية ومعاصرة في الوقت نفسه، وذات صلة مباشرة بواقعنا، وهي بذلك قطعة من ذاتنا ومن واقع حياتنا الاجتماعية. ولما كانت حياتنا الاجتماعية متجددة باستمرار، فإن العادة لا بد أن تتجدد كذلك بما يجعلها مواكبة لعصر مجتمعها، كما أنها دائما بنت شعب معين، ومنطقة معينة، وتراث وتاريخ معين، مرتبط بزمان ومكان معينين. ومن ابرز سماتها: أنها فعل اجتماعي، وأنها متوارثة كاملاً بظروف مجتمعها.
ولا حاجة هنا للقول، أن هذه المواصفات تنطبق على عادات الزواج في الريف الفلسطيني؛ فمجتمعنا الريفي له عاداته في الزواج، وهي عادات أصيلة ملزمة، لا يستطيع أحد أن يتخطاها إذا ما أراد أن يبقى على انسجام مع هذا المجتمع، وهي تاريخية بمعنى أن أجيل شعبنا توارثتها عبر عصور التاريخ، ومارسها بما يلائم روح كل عصر، فعلى سبيل المثال حرمَت المرأةَ من التعليم وألزمتها الحجاب عندما تطلب العصر ذلك في ظل الحكم التركي، وهي معاصرة بمعنى أنها تطورت بتطور الحياة فصارت تتيح للمرأة فرصة التعليم، والتحرر، وإشغال الوظائف العامة إلى جانب الرجل، كما عليه الحال الآن، وهي معيارية بمعنى أنها تحكم التعامل بين الناس من خلال التزامهم بقواعدها غير المكتوبة، التي منها مثلاً طالب الزواج لا يجوز أن يتقدم بنفسه لطلب يد الفتاة، وإذا فعل ذلك فإنه لن يبوء بالفشل فقط،وإنما سيجعل نفسه موضعاً للسخرية والتندر، وهي مرتبطة بالكامل بظروف المجتمع الفلسطيني؛ فعندما كثر تساقط الشهداء من الجنسين في ظل الانتفاضة التي تفجرت يوم 9/12/1987م توقفت المظاهر الاحتفالية لعادات الزواج، واكتفي منها بما هو ضروري كالطلبة المبدئية ثم الطلبة الرسمية وقراءة الفاتحة لكن بحضور عدد قليل من الأسرتين وأصدقائهما المقربين، وبعد ذلك بفترة قصيرة كتب الكتاب أي عقد الزواج، وانتقال العروس إلى بيت الزوجية بمرافقة عدد من أفراد الأسرتين، ودون أية احتفالات. وعندما توقفت الانتفاضة بعيد قيام السلطة الفلسطينية في أيلول – سبتمبر، عام 1993 ،بدأت عادات الزواج تعود إلى مثل ما كانت علية قبل الانتفاضة، كما سنبينه في الفقرات التالية.
3- العادات المتبعة في الزواج لدى مسلمي الريف الفلسطيني في الضفة الغربية:
تتطلب عادات الزواج الشعبية السائدة في مجتمع الريف الفلسطيني في الضفة الغربية، الالتزام بمراعاة الخطوات التالية: ابتداءً بالخطبة وانتهاءً بالدخلة. وسيقتصر الحديث عن القرويين المسلمين لأنهم الأكثرية، ولأن القرى المسيحية قليلة ومختلطة في معظم الحالات، وبالتالي فعاداتها شبيهة للغاية بعادات القرى المسلمة:
أ- الطلب التمهيدي.
ب- الطلب العائلي، ويقتصر على الأسرتين المعنيتين.
ج- الطلب الرسمي، وتقوم به الجاهة من أسرة العريس وحمولته.
د- كتب الكتاب أي توقيع عقد الزواج.
ه- الكسوة والحناء.
و- الزفاف.
ز- الدخلة ومتمماتها.
أولاً:الخطبة:
قديما أي حتى منتصف القرن الحالي:
خلال العهد العثماني، وامتداد له خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1918-1948م) كان القرار في اختيار زوجة الابن بيد الأب، يناظر ذلك قرار والد العروس بالموافقة على تزويجها من فلان الذي لا تعرفه، ودون اخذ رأيها فيه، أي أن قضية الزواج كانت شأنا أبويا، ليس للعريس ولا العروس أية صلاحية تذكر في اتخاذ القرارات المتعلقة به. ولما كان المجتمع الريفي الفلسطيني مجتمعا عشائريا يرتكز أساسه على العائلة فالحمولة، فقد كان أمرا طبيعيا أن يفضل والد العريس تزويج ابنه من إحدى بنات أعمامه؛ من اجل الحفاظ على وحدة العائلة والحمولة، وتعزيز قوتها. وقد عبروا عن هذا المبدأ في أقوالهم وأمثالهم، فقد قالوا في ابن العم وابنة العم:
" أبن العَمّ بِطَيِّحْ عَنْ ظَهْر الفَرَسْ "
" أوصيْك بِنْت العَمّ خُذْها وَلَو إنها عُوْرَة "
" إبن الخال مخَلِّى وإبن العَمّ موَلَّى "
*****
مكتوب على ورق التين والزيتون اللي يفوت بنت عمه أيروح محزون
عــــليك بالطـــريق ولـــــو دارت وأبنت الـــعم ولــــــــــو بــــــــارت
بــنت العــــــم تصــــبر عالجفـــا أمــــا الغـريبــــــة بـــــدها تــــــدليل
يـــــا ابـــن العـــم لا توخذ غريبة ردايدنــــا ولا قمــــــح الصــــــليبي
مـرق حذا دارنا وفيده قدح رايب ما بوخذ إلا ابن عمي وروح يا خايب
(مجلة التراث والمجتمع، العدد 7، ص83) و (ودراسة في المجتمع والتراث الشعبي الفلسطيني ص21).
وبالمثل فإن كون الزراعة عماد الحياة الريفية، كان لا بد للأب - صاحب القرار في اختيار زوجة ابنه- أن يراعي فيها القدرة على القيام بالأعمال الزراعية.
وقد عبروا عن هذا الاعتبار في أغانيهم فقالوا:
لا يعجبك زينها وبياض خرقتها بكرة بتيجي الحصيدة وبتشوف فعلتها
وقالوا:
والله لاكتب جريدة ع إبريق الزيت يا شاطرة في الخلا يا معدلة في البيت
(دراسة في المجتمع والتراث الشعبي الفلسطيني، ص21).
هذه الصورة كانت تنطبق على أكثرية أبناء الريف، لكن كان هنالك بعض العائلات الأرستقراطية التي تحظر زواج بناتها من غير أبنائها، وفي الوقت ذاته كانت تفرض الحجاب على نسائها، وتقصر أعمالهن على داخل بيوتهن، لأنهن في نظر العائلة مخدّرات "مخدّرات = حرائر ربات خدور، أسمى من أن يقمن بأعمال الفلاحة"
1- حديثا أي خلال النصف الثاني من القرن الحالي:
تحت تأثير اتساع الحركة التعليمية، وارتفاع نسبة الإناث اللواتي يتلقين تعليما مدرسيا وجامعيا، تغيرت العادات التي بينتها الفقرة السابقة بشكل أو آخر، فصار للابن الأثر الأكبر في اختيار شريكة حياته، لكن بالتشاور مع أبيه وأمه، وصار للبنت حظ أكبر في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، وصارت الأوضاع الاجتماعية تسمح بالتعارف بين الجنسين. وثمة أمر آخر غاية في الأهمية، هو أن أكثر الآباء والأمهات، نالوا قسطا من التعليم، فصاروا أكر ادراكا لمسؤوليات الزواج وحقوق الأبناء والبنات، معنى أنهم ما عادوا ينفردون باتخاذ القرار نيابة عن الابن أو البنت، بل صاروا بمثابة مستشارين لهم، وإن كان دور البنت في اتخاذ القرار لا يزال أقل استقلالية من دور الابن. لكن إجراءات الخطبة ظلت – على أية حال- تتخذ المسارات التي سنعرضها في الفقرات التالية:
أ.الطلب التمهيدي:
مازال الدور الأول بالنسبة لهذه الخطوة منوطاً بالمرأة، إذ تكلف أم الشاب الناوي على الزواج، أو إحدى قريباته، وبقدر من السرية بزيارة أسرة الفتاة المرشحة للخطبة، لاستكشاف الموقف، من أجل التعرف على أحوال الفتاة وأهلها: هل هي مناسبة، هل هنالك استعداد للزواج، أم هنالك معوقات، أو خطط أخرى كمتابعة التحصيل العلمي مثلا، وهل هنالك إمكانية لقبول فلان خطيبا للبنت أم لا، وهكذا، وتستمر هذه العملية أسبوعاً أو نحوه لإتاحة الفرصة للبنت ولأسرتها للتشاور فيما بينهم، ثم يبلغون الوسيطة بردهم. فإذا كان الرد سلبيا طويت المسألة وكأنها لم تكن، وذلك صونا لسمعة العائلتين، أما إذا كان الرد إيجابيا، فإن والد الشاب وأحد وجهاء حمولته، يقومان، وبقدر من السرية أيضا بزيارة مسائية لوالد الفتاة، ويفاتحانه في خطبة ابنته فلانة لابنه فلان. وجرت العادة أن والد الفتاة، لا يعطي ردا نهائيا في هذه المناسبة، وإنما يكون مجاملا: "إلنا الشرف في نسبكم، لكن علينا مشورة، إن شاء الله بنرد الخبر بعد يومين أو ثلاث، وقلة الجواب جواب".بعد ذلك يستشير والد الفتاة إخوته وأقاربه ليستطلع رأيهم حول ما إذا كان أحد أبناءهم ينوي التقدم لخطبة ابنته، وحول ما إذا كان لهم أي اعتراض على النسب المحتمل. فإذا لم يكن هنالك أي عائق، يعود الأب إلى أسرته ويطلب من زوجته أن تستطلع رأي البنت، ثم يتحدث هو مع ابنته بمشاركة أعضاء الأسرة. وإذا كانت النتيجة إيجابية، يبعث الأب من يخبر أهل العريس المرشح بأنهم موضع ترحيب، ذلك إشارة لهم ليتقدموا بالطلب على مستوى الأسرتين، وهو ما أسميناه "الطلب العائلي" الذي سنعرضه في الفقرة التالية.
ب. الطلب العائلي:
عند وصول الخبر الإيجابي لوالد الشاب، يخبر أسرته ويطلب من زوجته أن تتفق مع عدد محدود من نساء الحمولة، ويتفق هو مع عدد محدود من وجهاء حمولته، ويحضرون علب المشروبات الخفيفة، ومقدارا من البقلاوة، ثم يبعث إلى والد الفتاة يخبره بأنه هو وجماعته سيتشرفون بزيارته في الليلة الفلانية. وبناء على ذلك يطلب والد الفتاة من زوجته أن تدعوا بعض قريباتها، ويدعو هو بعض أقاربه، وبخاصة أعمام الفتاة وأخوالها، ليكون الجميع في استقبال جماعة الشاب. ويتم اللقاء على هذا المستوى في المساء المعين، فتلتقي الجماعتان: الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، ويتبادل الجميع المجاملات المعهودة، ثم يقول والد الشاب، أو من اتفق معه من جماعته على القيام بالطلب: "سمعونا الصلاة على النبي يا جماعة" فيرد الحاضرين قائلين: "أللهم صلي على سيدنا محمد"، ويصغون إلى المتكلم الذي يقول في العادة: "الله يمسيكم بالخير يا جماعتنا، إحنا يا بو فلان -والد الفتاة- طالبين القرب منك وبشرفنا نسبكم، ونطلب ايد كريمتكم فلانة لأبنا فلان"، فيرد عليه والد الفتاة قائلا:"أهلا وسهلا بكم، البيت بيتكم وابنكم ابنا وبنتنا بنتكم، والطلب مقبول، والنسب إن شاء الله قرابة على طول". وعند هذا الحد يقرأ الجميع الفاتحة، وتزغرد النساء، ويتبادل الجميع التبريكات، وتوزع الحلوى والمشروبات، وتستمر السهرة في جو من الفرح، ويتداول الطرفان حول المهر، ويتفقان على المهر المعجل والمؤجل، والمصاغ، وموعد التلبيسة، وموعد الخطبة الرسمية.
(المرجع السابق، ص26 – 27)
النص الكامل
http://www.najah.edu/index.php?news_id=5484&page=3171&l=ar